فصل: فَصْلُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ: [في الخطبة في يوم السابع من ذي الحجة]

يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا خَرَجَ مَعَ الْحَجِيجِ (أَوْ مَنْصُوبِهِ) الْمُؤَمَّرِ عَلَيْهِمْ«وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِيجِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً فَرْدَةً يَأْمُرُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ إلَى مِنًى وَيُعَلِّمُهُمْ مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ) إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَنَاسِكِهِمْ». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيَوْمُ التَّرَوِّيَةِ الْيَوْمُ الثَّامِنُ وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَطَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (وَيَخْرُجُ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَإِنْ كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ فَقَبْلَ الْفَجْرِ (إلَى مِنًى وَيَبِيتُونَ بِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا عَرَفَاتٍ، قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى نُزُولِ الشَّمْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي أُولَاهُمَا مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَى خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى إكْثَارِ الدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ بِالْمَوْقِفِ وَيُخَفِّفُهَا وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ وَيَأْخُذُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْأَذَانِ وَيُخَفِّفُهَا بِحَيْثُ يَفْرُغُ مِنْهَا مَعَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ. قِيلَ: مِنْ الْإِقَامَةِ وَقِيلَ: مِنْ الْأَذَانِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالرَّوْضَةِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ وَقِيلَ: لِلنُّسُكِ وَيَقْصُرُهُمَا أَيْضًا الْمُسَافِرُونَ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّينَ وَتُفْعَلَانِ وَالْخُطْبَتَانِ قِيلَ: بِنَمِرَةَ وَالْجُمْهُورُ بِمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ وَصَدْرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَيُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَصَدْرُهُ مَحَلُّ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ. (وَيَقِفُوا) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَنْصُوبُهُ وَالنَّاسُ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ (بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَبَيْنَ هَذَا الْمَسْجِدِ مَوْقِفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّخَرَاتِ نَحْوُ مِيلٍ (وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ:«خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْت: أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ:«اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا. وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» (فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ وَقِيلَ: لِلنُّسُكِ وَيَذْهَبُونَ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ فَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ (وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ حُضُورُهُ) أَيْ الْمُحْرِمِ (بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«وَقَفْت هَاهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَدَابَّةٍ شَارِدَةٍ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُكْثُ وَلَا أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى قَالَ الْإِمَامُ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِي صَرْفِ الطَّوَافِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الطَّوَافَ قُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ (بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ) فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَا السَّكْرَانَ وَلَا الْمَجْنُونَ وَقِيلَ يُجْزِئُهُمْ (وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ) الْمُسْتَغْرِقِ. وَقِيلَ: يَضُرُّ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَرَفَةُ أَجْزَأَهُ وَقِيلَ: لَا (وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ) وَقِيلَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانِ إمْكَانِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ الزَّوَالِ (وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) وَالثَّانِي لَا يَبْقَى إلَى ذَلِكَ بَلْ يَخْرُجُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَالثَّالِثُ يَبْقَى بِشَرْطِ تَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ عَلَى لَيْلَةِ النَّحْرِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ:«الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَلَيْلَةُ جَمْعٍ هِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ (وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ أَرَاقَ) مَعَ إدْرَاكِهِ الْوُقُوفَ (دَمًا اسْتِحْبَابًا) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) لِأَنَّهُ تَرَكَ نُسُكًا هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ فِي الْوُقُوفِ (وَإِنْ عَادَ) إلَى عَرَفَةَ (فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ) يُؤْمَرُ بِهِ (وَكَذَا إنْ عَادَ لَيْلًا فِي الْأَصَحِّ) وَرُجِّحَ الْقَطْعُ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَالثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ لِأَنَّ النُّسُكَ الْوَارِدَ الْجَمْعُ بَيْنَ آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ اللَّيْلِ وَقَدْ فَوَّتَهُ. وَالْخِلَافُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي عَدَمِ الْعَوْدِ (وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا) لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ التَّاسِعُ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْقَعْدَةِ فَأَكْمَلُوهُ ثَلَاثِينَ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْهِلَالَ أَهَلَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ. إمَّا فِي أَثْنَاءِ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ (أَجْزَأَهُمْ) وُقُوفُهُمْ (إلَّا أَنْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ) فِي الْحَجِيجِ (فَيَقْضُونَ) هَذَا الْحَجَّ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَضَائِهِمْ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ، وَالثَّانِي لَا يَقْضُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ بَانَ الْأَمْرُ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْعَاشِرِ فَوَقَفُوا بَعْدَهُ، قَالَ فِي التَّهْذِيبِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ لَا يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى يَقِينِ الْفَوَاتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّ عَامَّةَ الْأَصْحَابِ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الْعَاشِرِ وَهُمْ بِمَكَّةَ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ حُضُورِ الْمَوْقِفِ بِاللَّيْلِ يَقِفُونَ مِنْ الْغُدُوِّ، وَيُحْسَبُ لَهُمْ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ. نَصَّ عَلَى أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ الْغَدِ الْعِيدَ فَإِذَا لَمْ نَحْكُمْ بِالْفَوَاتِ بِقِيَامِ الشَّهَادَةِ لَيْلَةَ الْعَاشِرِ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُمْ بِحَالٍ (وَإِنْ وَقَفُوا فِي) الْيَوْمِ (الثَّامِنِ وَعَلِمُوا قَبْلَ فَوْتِ الْوَقْتِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَوْتِ الْوُقُوفِ (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِهَذَا الْحَجِّ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا يَجِبُ كَمَا فِي الْغَلَطِ بِالتَّأْخِيرِ وَفُرِّقَ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِسَابِ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ. وَبِأَنَّ الْغَلَطَ بِالتَّقْدِيمِ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِغَلَطٍ فِي الْحِسَابِ أَوْ لِخَلَلٍ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِتَقْدِيمِ الْهِلَالِ. وَالْغَلَطُ بِالتَّأْخِيرِ قَدْ يَكُونُ بِالْغَيْمِ الْمَانِعِ مِنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَوْ غَلِطُوا فِي الْمَكَانِ فَوَقَفُوا بِغَيْرِ عَرَفَةَ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُمْ.

. فَصْلٌ: [المبيت بالمزدلفة]

وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي) بِأَنْ كَانَ بِهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَقَطْ أَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِهَا أَصْلًا (أَرَاقَ دَمًا وَفِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ الْغُرُوبِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الدَّمِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ. وَقَالَ: لَوْ لَمْ يَحْضُرْ مُزْدَلِفَةَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَحَضَرَهَا سَاعَةً فِي النِّصْفِ الثَّانِي حَصَلَ الْمَبِيتُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ مُعْظَمُ اللَّيْلِ. (وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى) لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الزَّحْمَةِ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ«أَنَّ سَوْدَةَ أَفَاضَتْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالدَّمِ وَلَا النَّفْرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا». وَرَوَيَا عَنْ«ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَنَا مِمَّنْ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضِيَافَةِ أَهْلِهِ»: وَلَوْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنْ مَبِيتِ الْمُزْدَلِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَفَاتَهُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ. قَالَ الْقَفَّالُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالطَّوَافِ قَالَ الْإِمَامُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. (وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ) بِهَا لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتَّغْلِيسُ هُنَا أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا مِنْ بَاقِي الْأَيَّامِ لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْأَعْمَالِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (ثُمَّ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى وَيَأْخُذُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَصَى الرَّمْيِ) قَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْلًا.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَأْخُوذُ سَبْعُ حَصَيَاتٍ لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَقِيلَ: سَبْعُونَ حَصَاةً لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ: الْتَقِطْ لِي حَصًى قَالَ فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ». وَهُوَ بِإِعْجَامِ الْخَاءِ وَالذَّالِ السَّاكِنَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُقَدَّمِينَ بِاللَّيْلِ يَأْخُذُونَ حَصَى الرَّمْيِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَيْضًا (فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) وَهُوَ جَبَلٌ فِي آخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ يُقَالُ لَهُ قُزَحٌ بِضَمِّ الْقَافِ، وَبِالزَّايِ (وَقَفُوا) فَذَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى (وَدَعَوْا إلَى الْإِسْفَارِ) مُسْتَقْبِلِينَ الْكَعْبَةَ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَوَحَّدَ وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا» (ثُمَّ يَسِيرُونَ فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ حِينَئِذٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ (وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ:«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْجَمْرَةَ يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» (ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ ثُمَّ يَحْلِقُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ يُقَصِّرُ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) قَالَ تَعَالَى:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ. قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: وَالْمُقَصِّرِينَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةَ) وَلَا تُؤْمَرُ بِالْحَلْقِ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حَدِيثَ«لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْحَلْقُ، وَعَنْ الْعِجْلِيّ أَنَّ التَّقْصِيرَ لِلْخُنْثَى أَفْضَلُ كَالْمَرْأَةِ (وَالْحَلْقُ) أَيْ إزَالَةُ الشَّعْرِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فِي وَقْتِهِ (نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ) فَيُثَابُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ بِالدُّعَاءِ لِفَاعِلِهِ بِالرَّحْمَةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَالثَّانِي هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فَأُبِيحَ لَهُ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِلَا خِلَافٍ (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ إزَالَتُهَا مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ (حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ نَتْفًا أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا) مِمَّا يُحَاذِي الرَّأْسَ أَوْ مِمَّا اسْتَرْسَلَ عَنْهُ فِي دُفْعَةٍ أَوْ دُفُعَاتٍ قَالَ تَعَالَى:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} أَيْ شَعْرَهَا وَهُوَ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثِ (وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ يُسْتَحَبُّ) لَهُ (إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ) تَشْبِيهًا بِالْحَالِقِينَ (فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَسَعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ سَعَى بَعْدَهُ لَمْ يُعِدْهُ. وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى) لِيَبِيتَ بِهَا (وَهَذَا الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا) وَلَا يَجِبُ، رَوَى مُسْلِمٌ«أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ. وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ». وَرَوَى الشَّيْخَانِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَقَالَ:«لَا حَرَجَ» وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَلْقَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لَوْ فَعَلَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ مَعًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ لِوُقُوعِ الْحَلْقِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، (وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا) يَعْنِي غَيْرَ الذَّبْحِ لِمَا سَيَأْتِي فِيهِ (بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ. رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ عَائِشَةَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَفَاضَتْ». وَقِيسَ الْبَاقِي مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ (وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ) رَوَى الْبُخَارِيُّ«أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت قَالَ: لَا حَرَجَ» وَالْمَسَاءُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ (وَلَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ) لِلْهَدْيِ (بِزَمَنٍ، قُلْت الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا سَبَقَ تَقَرُّبًا بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ بِمِنًى مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ: لَا أُضْحِيَّةَ فِي حَقِّهِ كَمَا لَا يُخَاطَبُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ مَنْ أَحَلَّ حَجَّهُ انْتَهَى.
وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ عَنْ الْإِمَامِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْحَاجِّ بِمِنًى (وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ (لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا) وَفِعْلُهَا يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا تَقَدَّمَ أَفْضَلُ (وَإِذَا قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ (فَفَعَلَ اثْنَيْنِ مِنْ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ) الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ قَبْلُ (حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ) مِنْ تَحَلُّلَيْ الْحَجِّ (وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ) إنْ لَمْ يَفْعَلْ (وَالْقَلْمِ) وَسَتْرُ الرَّأْسِ لِلرَّجُلِ وَالْوَجْهِ لِلْمَرْأَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ سَتْرَ الرَّأْسِ دُونَ الْحَلْقِ (وَكَذَا الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ) يَحِلَّانِ بِهِ (فِي الْأَظْهَرِ قُلْت) كَمَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْأَكْثَرِ (الْأَظْهَرُ لَا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَكَذَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْقُبْلَةِ أَنَّ الْأَظْهَرَ تَحْرِيمُهَا وَرَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْحِلَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ وَفِي التَّطَيُّبِ طَرِيقَانِ أَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالْحِلِّ وَسَوَاءٌ أَثْبَتنَا الْخِلَافَ أَمْ لَمْ نُثْبِتْهُ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحِلُّ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَيَّبَ لِحِلِّهِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:«طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِلَفْظِ كُنْت أُطَيِّبُ وَالدَّهْنُ مُلْحَقٌ بِالتَّطَيُّبِ (وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ) بَعْدَ الِاثْنَيْنِ (حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَحَلَّ بِهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ) وَهُوَ الْجِمَاعُ وَالْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَعَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا قُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ، وَالتَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالْآخَرِ. وَرَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ:«إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ». وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ«إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ وَفِي رِوَايَةٍ وَذَبَحْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ». وَضَعَّفَهُ وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَيْنِ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ أَنَّهُ يَطُولُ زَمَانُهُ وَتَكْثُرُ أَفْعَالُهُ بِخِلَافِهَا فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهَا فِي آخَرَ.

. فَصْلُ:

إذَا عَادَ بَعْدَ الطَّوَافِ يَوْمَ النَّحْرِ (إلَى مِنًى بَاتَ لَيْلَتَيْ التَّشْرِيقِ) الْأَوَّلِيَّيْنِ وَالثَّالِثَةَ أَيْضًا. (وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَتَالِيَاهُ (إلَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ كُلُّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ) فَمَجْمُوعُ الْمَرْمِيِّ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ حَصَاةً، وَدَلِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ الِاتِّبَاعُ الْمَعْلُومُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِي فَأَرَادَ النَّفْرَ) بِسُكُونِ الْفَاءِ (قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَوْمَهَا) قَالَ تَعَالَى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ} (فَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ (حَتَّى غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمَى الْغَدَ) كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ وُجُوبُ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ إلَى الْجَمَرَاتِ، وَفِي قَوْلٍ: يستحب الْمَبِيتُ وَيَحْصُلُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ الْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ حَاضِرًا طُلُوعُ الْفَجْرِ. (وَيَدْخُلُ رَمْيُ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ) أَيْ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِزَوَالِ شَمْسِهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِهَا) لِعَدَمِ وُرُودِهِ بِاللَّيْلِ (وَقِيلَ يَبْقَى) فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (إلَى الْفَجْرِ) كَمَا يَبْقَى الْوُقُوفُ إلَى الْفَجْرِ بِخِلَافِ الثَّالِثِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَنَاسِكِ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ، وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بِمِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا رَمْيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحُكْمَ الْمَبِيتِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَثَانِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا جَوَازَ النَّفْرِ فِيهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيُوَدِّعُهُمْ.
(وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ السَّبْعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، (وَتَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ) بِأَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا إلَى الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ إلَى الْوُسْطَى ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَكَوْنُ الْمَرْمِيِّ حَجَرًا) لِذِكْرِ الْحَصَى فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَهُوَ مِنْ الْحَجَرِ فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ كَالْكَذَّانِ وَالْبِرَامِ وَالْمَرْمَرِ، وَكَذَا مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ كَالْيَاقُوتِ وَالْعَقِيقِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُجْزِئُ اللُّؤْلُؤُ وَمَا لَيْسَ بِحَجَرٍ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ كَالْإِثْمِدِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْجِصِّ وَمَا يَنْطَبِعُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا (وَأَنْ يُسَمِّيَ رَمْيًا فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ) فِي الْمَرْمَى لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ، وَقِيلَ يَكْفِي، وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ الرَّمْيِ فَلَوْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ«عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ» وَهُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا فِي قَدْرِ الْبَاقِلَا. (وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْحَجَرِ فِي الْمَرْمَى) فَلَوْ تَدَحْرَجَ وَخَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ. (وَلَا كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنْ الْجَمْرَةِ) فَلَوْ وَقَفَ فِي طَرَفِهَا وَرَمَى إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ جَازَ. (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ) لِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الرَّمْيِ (اسْتَنَابَ) وَلَا يُمْنَعُ زَوَالُهَا بَعْدَهُ وَلَا يَصِحُّ رَمْيُ النَّائِبِ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ زَالَ عُذْرُ الْمُسْتَنِيبِ بَعْدَ رَمْيِ النَّائِبِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرَّمْيِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ الرَّمْيِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَكَوْنُ الْمَرْمِيِّ حَجَرًا وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا يَأْتِي فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ.
(وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ) وَيَوْمَيْنِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ عَلَى الْأَظْهَرِ) فَيَتَدَارَكُ الْأَوَّلَ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَالثَّانِيَ أَوْ الْأَوَّلَيْنِ فِي الثَّالِثِ وَيَكُونُ ذَلِكَ أَدَاءً وَفِي قَوْلٍ قَضَاءً لِمُجَاوَزَتِهِ لِلْوَقْتِ الْمَضْرُوبِ لَهُ، وَعَلَى الْأَدَاءِ يَكُونُ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ وَقْتَ اخْتِيَارٍ كَوَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلصَّلَاةِ وَجُمْلَةُ الْأَيَّامِ فِي حُكْمِ الْوَقْتِ الْوَاحِدِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ التَّدَارُكِ عَلَى الزَّوَالِ، وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَعَلَى الْقَضَاءِ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ التَّدَارُكُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَتَأَقَّتُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةُ النَّهَارِ كَالصَّوْمِ، هَذَا جَمِيعُهُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ، وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَحَكَى فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَلَى الْقَضَاءِ وَجْهَيْنِ فِي التَّدَارُكِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ رَمْيُ قَضَاءٍ وَلَا أَدَاءً، قَالَ: وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي التَّدَارُكِ لَيْلًا، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً فَفِيهِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَاللَّيْلِ الْخِلَافُ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْوَقْتِ بِالْأَدَاءِ أَلْيَقُ، وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: إذَا قُلْنَا أَدَاءً تَأَقَّتَ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّ الرَّمْيَ الْمَتْرُوكَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا يَتَدَارَكُ فِي بَاقِيهَا كَمَا لَا يَتَدَارَكُ بَعْدَهَا. (وَلَا دَمَ) مَعَ التَّدَارُكِ وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ الدَّمُ مَعَهُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ يَقْضِي وَيَفْدِي (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْ الْمَتْرُوكَ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) فِي تَرْكِ رَمْيِ الْيَوْمِ وَكَذَا فِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِيهَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ لِتَرْكِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ دَمٌ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بِرَأْسِهَا، وَعَلَى قَوْلِ عَدَمِ التَّدَارُكِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ دَمٌ لِفَوَاتِ رَمْيِهِ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَاسْتِقْرَارِ بَدَلِهِ فِي الذِّمَّةِ.
(وَالْمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي) تَرْكِ (ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ) أَيْضًا كَمَا يُكْمِلُ فِي حَلْقِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ، وَقِيلَ: إنَّمَا يُكْمِلُ فِي وَظِيفَةِ جَمْرَةٍ كَمَا يُكْمِلُ فِي وَظِيفَةِ جَمْرَةِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَيْنِ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَقْوَالُ فِي حَلْقِ الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ أَظْهَرُهَا أَنَّ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ مُدَّ طَعَامٍ، وَالثَّانِي دِرْهَمًا، وَالثَّالِثُ ثُلُثَ دَمٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَسُبْعَهُ عَلَى الثَّانِي، وَفِي الْحَصَاتَيْنِ ضِعْفَ ذَلِكَ. تَتِمَّةٌ: يَجِبُ، وَفِي قَوْلٍ: يُسْتَحَبُّ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ دَمٌ، وَفِي قَوْلٍ: فِي كُلِّ لَيْلَةٍ دَمٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِي اللَّيْلَةِ مُدٌّ وَفِي قَوْلٍ دِرْهَمٌ، وَفِي آخَرَ ثُلُثُ دَمٍ، وَفِي اللَّيْلَتَيْنِ ضِعْفُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْفِرْ قَبْلَ الثَّالِثَةِ، فَإِنْ نَفَرَ قَبْلَهَا فَفِي وَجْهِ الْحُكْمِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا لَيْلَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الدَّمِ بِكَمَالِهِ، لِتَرْكِ جِنْسِ الْمَبِيتِ بِمِنًى. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَتَرْكُ الْمَبِيتِ نَاسِيًا كَتَرْكِهِ عَامِدًا، صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ أَمَّا مَنْ هُمْ كَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ وَرِعَاءِ الْإِبِلِ فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ غَيْرِ دَمٍ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ، أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى لِأَجْلِ السِّقَايَةِ»، وَرَوَى مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى»، الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَإِذَا رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ فَفِي تَدَارُكِهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَدَارُكِ رَمْيِهَا. وَالثَّانِي لَا يَتَدَارَكُ قَطْعًا لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي التَّحَلُّلِ بِخِلَافِ رَمْيِهَا وَعَلَى التَّدَارُكِ يَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ أَدَاءً وَجَوَازُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَوُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ الصَّلَاحِ فِي مَنَاسِكِهِمَا.
(وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ) بَعْدَ فَرَاغِ النُّسُكِ (طَافَ لِلْوَدَاعِ) رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ طَافَ لِلْوَدَاعِ»، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» أَيْ بِالْبَيْتِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَوْ أَرَادَ الْحَاجُّ الرُّجُوعَ إلَى بَلَدِهِ مِنْ مِنًى لَزِمَهُ دُخُولُ مَكَّةَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ إنْ قُلْنَا هُوَ وَاجِبٌ وَلَوْ طَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ لِلْوَدَاعِ، ثُمَّ أَتَى مِنًى ثُمَّ أَرَادَ النَّفْرَ مِنْهَا فِي وَقْتِهِ إلَى وَطَنِهِ، فَقِيلَ: يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الطَّوَافُ، وَقِيلَ: لَا، ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي نُسُكٍ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ كَالْمَكِّيِّ يُرِيدُ سَفَرًا وَالْآفَاقِيِّ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ طَافَ لِلْوَدَاعِ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ وَتَشْبِيهًا لِاقْتِضَاءِ خُرُوجِهِ الْوَدَاعَ بِاقْتِضَاءِ دُخُولِهِ لِلْإِحْرَامِ، وَالثَّانِي يُحْمَلُ طَوَافُ الْوَدَاعِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَيَخُصُّهُ بِذِي النُّسُكِ، وَمَنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِ النُّسُكِ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: أَرَادَ الْخُرُوجَ أَيْ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَدُونَهَا عَلَى الصَّرِيحِ (وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ، فَإِنْ مَكَثَ لِغَيْرِ اشْتِغَالٍ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَشِرَاءِ مَتَاعٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ زِيَارَةِ صِدِّيقٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَعَادَهُ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَشِرَاءِ الزَّادِ وَشَدِّ الرَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا لَمْ يُعِدْهُ. (وَهُوَ وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ) وُجُوبًا (وَفِي قَوْلٍ سُنَّةٌ لَا يُجْبَرُ) أَيْ لَا يَجِبُ جَبْرُهُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ. (فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَخَرَجَ بِلَا وَدَاعٍ فَعَادَ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) وَطَافَ (سَقَطَ الدَّمُ) كَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرُ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ (أَوْ) عَادَ إلَيْهِ (بَعْدَهَا) وَطَافَ (فَلَا) يَسْقُطُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِاسْتِقْرَارِهِ. وَالثَّانِي يَسْقُطُ كَالْحَالَةِ الْأُولَى، وَيَجِبُ الْعَوْدُ فِيهَا، وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ. (وَلِلْحَائِضِ النَّفْرُ بِلَا) طَوَافِ (وَدَاعٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:«أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ» إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ، فَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ خُطَّةِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ وَالطَّوَافُ، أَوْ بَعْدَهَا فَلَا، وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ فِي ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَيُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ«إنَّهَا مُبَارَكَةٌ إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» زَادَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ«وَشِفَاءُ سُقْمٍ».
(وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ) فَفِي حَدِيثٍ«مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرُهُ:«مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا تَجُوزُ لِغَيْرِ زَائِرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ، فَإِذَا انْصَرَفَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُونَ مِنْ مَكَّةَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلَى الْمَدِينَةِ لِزِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيُكْثِرْ الْمُتَوَجِّهُ إلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُ مِنْهُمَا إذَا أَبْصَرَ أَشْجَارَهَا مَثَلًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسَ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدُ قَصَدَ الرَّوْضَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ، وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ فَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلِ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ، فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا، وَيُسَلِّمُ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ، وَأَقَلُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَسَلَّمَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ:«مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ آخَرَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ، وَمَنْ شَاءَ وَالْمُسْلِمِينَ انْتَهَى.

. فصل أركان الحج:

أركان الحج خمسة: الْإِحْرَامُ بِهِ أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ (وَالْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ«الْحَجُّ عَرَفَةَ» (وَالطَّوَافُ) قَالَ تَعَالَى{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (وَالسَّعْيُ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيَّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فِي الْمَسْعَى، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ». (وَالْحَلْقُ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ كَالطَّوَافِ. (وَلَا تُجْبَرُ) هَذِهِ الْخَمْسَةُ أَيْ لَا مَدْخَلَ لِلْجُبْرَانِ فِيهَا بِحَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَيُسَمَّى بَعْضًا وَغَيْرُهُ يُسَمَّى هَيْئَةً، (وَمَا سِوَى الْوُقُوفِ أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ لَهَا.
(وَيُؤَدِّي النُّسُكَيْنِ عَلَى أَوْجُهٍ) بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا وَيَبْدَأَ بِالْحَجِّ، أَوْ بِالْعُمْرَةِ،«قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (أَحَدُهَا الْإِفْرَادُ بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ كَإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ) بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِهَا. (وَيَأْتِي بِعَمَلِهَا) هَذِهِ الصُّورَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلْإِفْرَادِ، وَيُضَمُّ إلَيْهَا صُوَرُ فَوَاتِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فِي التَّمَتُّعِ عَلَى وَجْهٍ (الثَّانِي الْقِرَانُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا) مَعًا (مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ فَيَحْمِلَانِ) هَذِهِ الصُّورَةَ الْأَصْلِيَّةَ لِلْقِرَانِ (وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَحُجَّ قَبْلَ الطَّوَافِ كَانَ قَارِنًا) يَكْفِيهِ عَمَلُ الْحَجِّ، رَوَى مُسْلِمٌ«أَنَّ عَائِشَةَ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُك ؟ قَالَتْ: حِضْت وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا». وَقَوْلُهُ قَبْلَ الطَّوَافِ أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَلَوْ شَرَعَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ. (وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ فِي الْجَدِيدِ) وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلْقُدُومِ، وَجَوَّزَهُ الْقَدِيمُ قِيَاسًا عَلَى الْعَكْسِ فَيَكُونُ قَارِنًا أَيْضًا وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ يُفِيدُ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِهَا بِالْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا فِي أَشْهُرِهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ هَذَا الْإِدْخَالُ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَقْتَ إدْخَالِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي أَصَحُّ أَيْ فَيَكُونُ قَارِنًا، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ مُرِيدٌ لِلْإِحْرَامِ كَانَ قَارِنًا أَيْضًا وَإِنْ أَسَاءَ.
(الثَّالِثُ التَّمَتُّعُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ) هَذِهِ الصُّورَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلتَّمَتُّعِ، وَيَلْزَمُهُ فِيهِ دَمٌ بِشَرْطِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ مَعَ دَمِ الْإِسَاءَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَكَذَا لَوْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِالْمُتَمَتِّعِ اسْتِمْتَاعُهُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ أَوْجُهِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ (الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَفِي قَوْلٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ) وَأَمَّا الْقِرَانُ فَمُؤَخَّرٌ عَنْهُمَا جَزْمًا، لِأَنَّ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فِيهِمَا أَكْمَلُ مِنْهَا فِيهِ وَحُكِيَ عَنْ الْمُزَنِيُّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي إسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا»، وَرَوَيَا عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ»، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَرَجَّحَ هَذَا بِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً، وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَأَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَدُنْ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ تَحَلَّلَ وَشَرْطُ تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي سُنَّتِهِ، فَلَوْ أُخِّرْت عَنْهَا فَكُلٌّ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ عَنْ سُنَّةِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ.
(وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ) قَالَ تَعَالَى{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} أَيْ بِسَبَبِهَا{إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}. (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) قَالَ تَعَالَى{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ} الْحَرَامَ فَلَا دَمَ عَلَى حَاضِرِيهِ (وَحَاضِرُوهُ مِنْ) مَسَاكِنِهِمْ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) كَمَنْ مَسَاكِنُهُمْ بِهَا (قُلْت الْأَصَحُّ مِنْ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ الثَّانِي هُوَ الدَّائِرُ فِي عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: أَنَّهُ أَشْبَهُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَهُمْ مِنْ مَسْكَنِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ، وَقِيلَ: مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ، قَالَ تَعَالَى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ وَمِنْ إطْلَاقِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ كَمَا هُنَا قَوْله تَعَالَى{فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ بَدَّلَهُ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ، أَوْ عَقِبَ دُخُولِهَا لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْأُولَى، وَالْمُخْتَارُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَالثَّانِي بَعْدَهُ مِنْهُمْ (وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَتِهِ) أَيْ الْحَجِّ فَلَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، أَوْ فِيهَا، وَالْحَجُّ فِي سَنَةٍ قَابِلَةٍ فَلَا دَمَ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَأَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِهِ فَفِي قَوْلٍ يَجِبُ الدَّمُ وَالْأَظْهَرُ لَا لِتَقَدُّمِ أَحَدِ أَرْكَانِهَا وَلَوْ تَقَدَّمَ بَعْضُ أَفْعَالِهَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ الدَّمُ أَيْضًا وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ يَجِبُ وَالْأَصَحُّ لَا (وَأَنْ لَا يَعُودَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ) الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا دَمَ وَكَذَا لَوْ عَادَ إلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، لِانْتِفَاءِ تَمَعُّنِهِ وَتَرَفُّهِهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ الشَّرْطُ الثَّانِي مَنَاطُ وُجُوبِ الدَّمِ وَالْخَارِجُ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي التَّسْمِيَةِ بِالْمُتَمَتِّعِ وَقِيلَ تُعْتَبَرُ فِيهَا أَيْضًا حَتَّى لَوْ فَاتَ شَرْطٌ مِنْهَا يَكُونُ مُفْرِدًا.
(وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَلَا تَتَأَقَّتُ إرَاقَتُهُ بِوَقْتٍ وَهُوَ دَمُ شَاةٍ بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَيَقُومُ مَقَامَهَا سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ (وَالْأَفْضَلُ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ) وَيَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي الْأَظْهَرِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ) وَهُوَ الْحَرَمُ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ بِهِ فِيهِ (صَامَ) بَدَلَهُ (عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ) لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا تَتَقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَجَوَّزَ صَوْمَهَا لَهُ الْقَدِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ (وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَيَّ أَهْلِهِ فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ تَعَالَى{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ}، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«لِلْمُتَمَتِّعِينَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْدِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِي إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى{سَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} مَسْبُوقٌ بِقَوْلِهِ{ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} فَتُصْرَفُ إلَيْهِ وَكَأَنَّهُ بِالْفَرَاغِ رَجَعَ عَمَّا كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ صَامَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْهَا لَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ إذَا تَوَجَّهَ إلَى وَطَنِهِ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْعِبَادَةِ الْبَدِينَةِ عَلَى وَقْتِهَا. وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّيْرِ أَوَّلَ الرُّجُوعِ وَعَلَى الثَّانِي لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ جَازَ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَفِي قَوْلِ التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ مُبَادَرَةٍ إلَى الْوَاجِبِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَصِحُّ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِي الْحَجِّ (وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا السَّبْعَةُ) وَحُكِيَ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ. (وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ) وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ) كَمَا فِي الْأَدَاءِ وَالثَّانِي يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْأَدَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِي التَّفْرِيقُ بِيَوْمٍ فِي قَوْلٍ وَالْأَظْهَرُ يُفَرِّقُ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمُدَّةِ إمْكَانِ سَيْرِهِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لِتَتِمَّ مُحَاكَاةُ الْقَضَاءِ لِلْأَدَاءِ، وَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَفَى التَّشْرِيقُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ، وَاذَا قُلْنَا الرُّجُوعُ الْفَرَاغُ مِنْ الْحَجِّ وَقُلْنَا لَيْسَ لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَرَّقَ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَفِي قَوْلٍ بِيَوْمٍ وَفِي آخَرَ لَا يَلْزَمُ التَّفْرِيقُ، وَإِنْ قُلْنَا لَهُ صَوْمُهَا لَمْ يَجِبْ التَّفْرِيقُ، وَقِيلَ يَجِبُ بِيَوْمٍ لِيَقُومَ مَقَامَ انْفِصَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَدَاءِ عَنْ السَّبْعَةِ بِكَوْنِهَا فِي الْحَجِّ، وَالْحَاصِلُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَمَا بَعْدَ الْخَامِسِ مُتَدَاخِلٌ، وَفِي سَادِسِ مَخْرَجٍ أَنَّهَا لَا تُقْضَى وَيَسْتَقِرُّ الْهُدَى فِي ذِمَّتِهِ بَدَلَهَا وَفَوَاتُهَا بِفَوَاتِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهُ صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَبِفَوَاتِ أَيَّامِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ طَوَافُ الرُّكْنِ عَنْهَا لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا يَقَعُ الصَّوْمُ قَبْلَهُ بَعْدَهَا مُرَادًا مِنْ قَوْله تَعَالَى{ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} وَقِيلَ يَقَعُ.
(وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ) فِي صِفَتِهِ وَبَدَلِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ. (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا فِي الْمُتَمَتِّعِ الْمُلْحَقِ بِهِ الْقَارِنُ فِيمَا ذَكَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ أَفْعَالَ الْمُتَمَتِّعِ أَكْثَرُ مِنْ أَفْعَالِهِ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَتْ: وَكُنَّ قَارِنَاتٍ» وَلَوْ دَخَلَ الْقَارِنُ مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُتَمَتِّعِ إذَا عَادَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ، وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ.